ولى جيل الستينيات الذي اعتنق (الهيبزم) وتشي غيفارا نموذجا، واندثر شباب السبعينيات الغارق في إدمان المخدرات على أنغام بوب مارلي وناس الغيوان، كما تراجعت أوهام وأحلام شباب الثمانينيات والتسعينيات في الهجرة إلى الفردوس الأوربي الممزوجة بكلمات الراي والأنماط الموسيقية الحديثة، ولم يتبق لشباب الألفية الثالثة سوى مزيج من كل هذه التراكمات والتجارب السابقة ، فمن رحم الهيبزم والبوب و الغيوان والراي والروك تولدت أنواع موسيقية جديدة للتعبير عن اختلاف الجيل الحالي ممثلة في الراب والهيب هوب. شباب ومراهقون بألبسة فضفاضة وقصات شعر عجيبة وحلقات في الآذان و غيرها من الأماكن الظاهرة والخفية، لغة عنيفة أحيانا بذيئة أحيانا أخرى ، موسيقى صاخبة ورقصات رشيقة. إنهم نماذج لعشاق الراب الذين يعتبرون الأمر قمة التحرر والوسيلة الأنجع للتعبير عن ثورة الجسد وفورة النفس. من خلال كلمات ومعاني تنعتق من قيود وعادات المجتمع والثقافة البالية لتمتزج برقصات وحركات رياضية رشيقة، أما معارضو هذا النوع التعبيري فيصفونه بالنشاز الذي يخدش الذوق السليم بكلماته الرديئة والبذيئة و النمط الدخيل المفتقد لجذور راسخة في الثقافة و التراث المغربيين. لكن بين الموقفين السابقين تبقى حقيقة مؤكدة وهي أن الراب كنوع غنائي جديد بدأ يلقى شعبية وإقبالا واسعا بين فئات عريضة. بل فرض نفسه حتى في وسائل الإعلام بما فيها الرسمية أيضا موجة الراب والهيب هوب عرفت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية من حيث الجرأة في تناول المواضيع الإجتماعية والطابوهات العميقة، لكن بطرق بسيطة ساخرة خصوصا بعد ظهور شباب من أمثال (البيك /اش كاين/ فناير/ عود الليل...) وغيرها من المجموعات الأخرى الناشئة التي تتناسل في الأحياء الشعبية وهوامش المدن المغربية. حيث يتم تناول المواضيع بلغة دارجة تمتزج أحيانا كثيرة بلغات أجنبية، دون أن ننسى مجموعات الراب الأمازيغية التي تسعى بدورها لنشر هذا اللون الغنائي بين أكبر عدد من الشرائح المغربية، المواضيع عادة تشمل عطالة الشباب ومشاكل الكبت الجنسي والعنف ضد الزوجات والإعتداءات الجنسية على الأطفال والشذوذ الجنسي و الدعارة والبغاء وتعاطي الشباب المغربي المخدرات وأجواء الإصلاحيات وهي مواضيع جديدة تتناولها اغاني الراب التي لا تعترف بالطابو بكل الجرأة المطلوبة ومن غير المعتاد التطرق لها في الأساليب الغنائية الكلاسيكية. كما أن الدينامية والحركية التي تعرفها أنماط الراب ساهمت أيضا في الدفع بظهور ما يصطلح عليه «الراب السياسي» الذي يتزعمه (البيك) متناولا مواضيع كانت إلى وقت قريب شبه محظورة في المجال الفني مثل تناول أوضاع سنوات الرصاص وحرية الصحافة والمشاركة السياسية والرشوة أو الفساد الإداري (بلادي بلاد ...اللعاقا بلا شفارا...) ثم التطرف والإرهاب (بلادي بلاد...اللي تفركعوا ماعند جد بوهم نيا..) إلى غيرها من الأغاني التي تدعو لاستنهاض همم الشباب وخروجه من الدائرة المغلقة والإحباط الذي فرضته عليه البطالة ( بوج لافيري روج...الدايم الله عليه تعول وما تبقاش مكون..) تناول القضايا الإجتماعية بلغة عنيفة صعبة التقبل أحيانا من شرائح معينة، لا ينفي كونها ثورة شباب وجيل جديد ينعتق من القيود البالية على طريقته الخاصة، بعدما وجد في الراب وسيلة تتناول مواضيع تقترب من همومه اليومية